صعوبات التعلم في المراحل المتقدمة

صعوبات التعلم في المراحل المتقدمة

إعداد

خالد بن صالح زيدان

إن القارئ في التعريفات المتعددة التي تناولت صعوبات التعلم يجد الإشارة إلى ملازمة هذه الصعوبات للفرد طيلة حياته، يظهر ذلك واضحا وجليا في تعريف اللجنة الوطنية المشتركة لصعوبات التعلم National Joint Committee of Learning Disabilities (NJCLD) حيث أشار التعريف إلى أن هذه الاضطرابات الناشئة عن خلل وظيفي في الجهاز العصبي المركزي يمكن أن تظهر مدى الحياة. هذا التعريف الذي ظهر أساسا تفاعلا مع تعريف جمعية الأطفال والكبار الذين لديهم صعوبات تعلم (الجمعية الأمريكية لصعوبات التعلم حاليا) التي نوّهت في تعريفها كذلك إلى تأثير صعوبات التعلم على الفرد طيلة حياته وفي جوانب مختلفة تعليمية كانت أو حتى تلك المتعلقة بحياته اليومية والاجتماعية والمهنية.

تقودنا القراءة السابقة لبعض التعريفات إلى أن صعوبات التعلم لا تزول بتخطي الطالب للمرحلة الابتدائية بل أنها تستمر معه، وربما لم تُكتشف وتُعالج إلا في مراحل متقدمة، فبزيارة موقع الجمعية الأمريكية لصعوبات التعلم ستجد هذه المعلومة على صدر الموقع والتي تشير إلى أن (60)% من البالغين الذين يعانون من مشاكل شديدة في القراءة والكتابة يعانون من صعوبات تعلم غير مكتشفة أو غير معالجة. وبتقدم عمر الطالب ذي الصعوبة التعلمية دون التدخل يتسع الفارق والهوّة بين مستواه الحالي والمستوى الذي يجب أن يكون عليه، وهذا ما أشار إليه وليام بيندر من خلال معرض حديثه عن ذوي صعوبات التعلم الأكبر سنًا والتباعد الكبير بين مستواهم في القراءة ومرحلتهم الدراسية بفترة قد تصل إلى 5-6 سنوات تقريبًا، الأمر الذي يؤثر حتمًا ويلقي بظلاله على مستوى الطالب في المواد الأخرى. وإن عرّجنا على بنية النصوص في المرحلة المتوسطة مثلاً سنجد أنها أكثر تعقيدًا على طالب صعوبات التعلم الذي لا يتلقى خدمات التربية الخاصة التي تعينه على التعلم، إذا ما سلّمنا بأن طبيعة القراءة في المراحل المتقدمة تختلف عن طبيعتها في المرحلة الابتدائية، فهم مطالبون الآن بالقراءة من أجل التعلم، لا التعلّم من أجل القراءة.

            وغني عن القول أن ضعف التحصيل من الخصائص الأساسية لتلاميذ المرحلة المتوسطة والثانوية الذين لديهم صعوبات تعلم، حيث أننا نلحظ ما يعرف بـ(تراكم العجز) لدى الطلاب، الأمر الذي فسره الدكتور إبراهيم أبو نيان في كتابه (صعوبات التعلم من التاريخ إلى الخدمات) بأنه نتيجة لعدم تركيز المرحلة المتوسطة والثانوية على تدريس وممارسة المهارات الأساسية من جانب، إضافة إلى زيادة متطلبات المنهج مع ضعف مهارات الدراسة والاستذكار من جانب آخر.

            وبالرغم من المحاولات التي تبذل في المراحل المتقدمة بفضل بعض القوانين كقانون No Child Left Behind (NCLB) سابقًا لتحقيق الكفاءة المطلوبة بالنسبة للطلاب الأكبر سنا ممن يعانون من صعوبات التعلم، إلا أن هذه النوعية من البرامج ما زالت واعدة ولم تحقق انتشارًا كافيًا، وما زال التركيز منصبا ومنذ العقود السابقة على فهم صعوبات التعلم في المرحلة المبكرة. ومع ذلك يمكن القول أن موضوع صعوبات التعلم للطلاب الأكبر سنًا واحدًا من المواضيع الساخنة (Hot Topics) في الميدان التربوي اليوم.

            وبالحديث عن برامج صعوبات التعلم في المراحل المتقدمة وعن الانتشار غير الكافي لهذه النوعية من البرامج، نلحظ أن عددًا قليلا من البرامج في المملكة العربية السعودية تقدم خدماتها في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وتتركز هذه البرامج في المناطق الكبرى (الرياض، جدة، المنطقة الشرقية). فمنذ اعتماد برامج صعوبات التعلم في المرحلتين المتوسطة والثانوية في العام 1425 هـ ومن ثم تنفيذها في العام 1426/ 1427 هـ لم تأخذ المدن الأخرى نصيبها من هذه البرامج، كما أن المدن الكبرى الحاضنة لتلك البدايات لم تتوسع لاحقًا لافتتاح المزيد من البرامج ومقابلة الاحتياج المطّرد والآخذ بالزيادة، باستثناء ذلك التوسع في برامج المرحلة المتوسطة في العام 1437/ 1438 هـ، الأمر الذي يترتب عليه حرمان العديد من الطلاب ذوي صعوبات التعلم من حقهم في استمرارية تقديم الخدمات لهم، ويقف عثرة أمام تقديم خدمات انتقالية يحتاجها الطالب في مسيرته بين مراحل التعليم العام وما بعد التعليم العام لاحقًا.                 

  وبالعودة لبعض الأرقام ذات الصلة بصعوبات التعلم في المراحل المتقدمة نجد أن التلاميذ الذين لديهم صعوبات تعلم يمثلون ثاني مجموعة من بين الذين لديهم إعاقات من ناحية التسرب (Dropping Out) من المدرسة في المرحلة الثانوية، كما أنهم أكثر عرضة من عامة التلاميذ لمشكلة ترك المدرسة لأسباب متعددة من بينها: قلة تلقي الخدمات والتسهيلات المطلوبة أو انعدامها، وذلك ما تضمنه برامج صعوبات التعلم لهم، إذا ما سلّمنا بأن طبيعة الخدمات التي تقدمها هذه البرامج في المراحل المتقدمة تختلف نسبيا عن تلك المقدمة في المراحل المبكرة، فمن ضمن المهام التي تقع على عاتق معلمي البرامج في المراحل المتقدمة دفع طلاب صعوبات التعلم نحو مزيد من الاستقلالية، وهذا لا يتأتى دون تدريبهم على اكتساب استراتيجيات التعلم، فضلا عن الدور البارز لمعلمي البرامج في إجراء التكييفات بشقيها (تعديلات، مواءمات) فيما يتعلق بمناهج التعليم العام، وتقديم الاستشارة للمعلمين نحو تعاملٍ أمثل مع ذوي صعوبات التعلم داخل الفصول. كما ويتعاظم دور معلمي صعوبات التعلم في المرحلتين المتوسطة والثانوية في ضمان التقييم المناسب لطلاب البرامج، يحدث هذا في حال كان المعلم ملمًا بتلك الإجراءات التي قُعِّدت من خلال المذكرة التفسيرية للائحة تقويم الطالب، وكفلت لطلاب صعوبات التعلم تقييما مناسبا يتناسب واحتياجهم.

نحو المزيد من برامج صعوبات التعلم في المراحل المتقدمة

حتى نرتقي بالخدمات المقدمة للطلاب ذوي صعوبات التعلم في المراحل المتقدمة كمًّا وكيفًا، علينا أن نتحقق أولاً من فهمنا لتلك العثرات التي تحول دون انتشار هذا النوع من البرامج، ومن ثم وضع الحلول والمقترحات التي تساعدنا على حل هذه المشكلة. وقد حاولت جاهدًا من خلال عملي في برنامج صعوبات التعلم في المرحلة المتوسطة تشخيص الواقع ووضع بعض التوصيات التي من شأنها أن تحقق تواجدًا فاعلاً لهذه البرامج من خلال التالي:

المشكلة

حلها

عدم تأهيل معلمي صعوبات التعلم في مرحلة ما قبل الخدمة على التعامل مع طلاب صعوبات التعلم في المرحلتين المتوسطة والثانوية.

تطوير برامج تدريبية أثناء الخدمة تساعد معلمي صعوبات التعلم على العمل مع الطلاب في هذه المراحل، على أن تكون هذه البرامج طويلة مدى كالدبلومات التي تقدمها الوزارة اليوم من خلال ما يعرف بـ(الاستثمار الأمثل للكوادر التعليمية).

قلة عدد المعلمين والمعلمات في الميدان.

يمكن الاستفادة من الفائض الذي حققه التحول إلى مدارس الطفولة المبكرة في تأهيل المعلمين والمعلمات للتدريس في المرحلة المتوسطة والثانوية.

عدم مقابلة مناهج التعليم العام لاحتياجات الطلاب ذوي صعوبات التعلم.

تبني مشروع التصميم الشامل للتعلم UDL في كافة مراحل التعليم العام لضمان وجود التكييفات المناسبة للطلاب ذوي صعوبات التعلم وعدم حرمانهم من حقهم في الوصول لمناهج التعليم العام.

قلة الوعي بماهية صعوبات التعلم وكيفية التعامل مع الطلاب في المرحلتين المتوسطة والثانوية.

تفعيل الدور التوعوي من قبل معلمي ومعلمات صعوبات التعلم وخاصة فيما يتعلق بتقييم الطلاب، باستغلال قنوات التواصل المختلفة وشرح القاعدة السابعة (الثانية عشر سابقا) وما تتضمنه من أدوات تقييم لذوي صعوبات التعلم.

ضعف تقديم الخدمات الانتقالية بين المراحل وما بعد التعليم العام.

تحقيق التواصل الفعال بين معلمي البرامج في مختلف المراحل وعقد الشراكات المجتمعية التي تتيح لطلاب صعوبات التعلم في المرحلة الثانوية التعرف على الأهداف الانتقالية المتاحة من استمرارية تعليم أو توظيف أو العيش باستقلالية.

 

شارك المقال :

1 فكرة عن “صعوبات التعلم في المراحل المتقدمة”

  1. علي العمري

    مشاركة متميزة من أستاذ مبدع وغني عن التعريف في مجال التعلم وفق الصعوبات والتحديات .. كل التوفيق وأطيب التحايا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تـابعنـا على

التصنيفات

Twitter feed is not available at the moment.