العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة جريمة يعاقب عليها القانون
د. أروى بنت علي أخضر

العنف من الظواهر السلوكية المنتشرة والتي قد لا تخلو منها مجتمع من المجتمعات، والأسباب المؤدية للعنف شغلت كثير من تفكير العلماء الاجتماعيين، خاصة وأن معرفة سبب العنف يجعلنا نتحقق بإيجاد طريقة فعالة للحد منه.
وتشير الأدبيات والمراجع إلى أن “الأساليب المتبعة في معاملة الأشخاص ذوي الإعاقة كانت تتم بصورة سيئة كالضرب, أو الاحتقار, أو الربط بالسلاسل, أو الحرق, أو السجن, أو التعذيب, وغيرها من أبعاد العنف والإساءة؛ وهذه الأساليب في المعاملة لم تكن قاصرة على مجتمع بعينه أو ثقافة بعينها, بل إنها كانت منتشرة في كثير من المجتمعات باعتبار أن قيمة الفرد كانت تتحدد بمقدار صلاحيته لأداء وظيفة ما على الوجه الأكمل, والانسان الصالح هو الذي يتمتع بقوى عقلية وجسمية سليمة تؤهله للبقاء” (بوقري, 1430: 18)
كما أوضحت الكثير من الدراسات “أن أساليب المعاملة الوالدية الخاطئة التي تتمثل في الرفض والإهمال وعدم المبالاة ترتبط بعلاقة موجبة مع حالات العنف التي يتعرض لها الأشخاص ذوي الإعاقة” (بدر, 2001: 43).
وجاء في تقرير الأمم المتحدة بشأن مسألة العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة (2012: 4) “أن المعايير الدولية تنص على توفير الحماية القانونية من العنف لجميع الأشخاص دون تمييز”.كما أكدت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة (16) “بعدم التعرض للاستغلال والعنف والاعتداء, وأن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة داخل منازلهم وخارجها لمنع جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء” (القحطاني, 2007: 19).
يعتبر العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة من المشكلات القديمة الحديثة التي عانت ولا تزال يعاني منها الكثير من المجتمعات, ولكن هذه الظاهرة أصبحت تبرز بشكل أكثر من السابق؛ لارتفاع نسب الإحصاءات التي تشير إلى حجم هذه المعاناة.
وأظهرت كثير من الدراسات المتخصصة في هذا المجال ارتفاع معدلات العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة حيث أشارت منظمة اليونيسيف (2017) أن تعرض الأطفال من ذوي الإعاقة للعنف يفوق تعرض أقرانهم بدون إعاقة بأربع مرات.
نظراً لأهمية موضوع العنف كظاهرة اجتماعية خطيرة, وارتفاعها للأشخاص ذوي الإعاقة, عليه ينبغي تسليط الضوء على موضوع العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة وعدم استضعافهم وتجاهلهم؛ لأن الاهتمام بموضوع العنف مع الأشخاص ذوي الإعاقة يعكس التوجهات المتزايدة بقضاياهم من منظور قانوني اجتماعي , كما يساهم في الحد من العنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويمكن توضيح مفهوم العنف بأنه: ” كل سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية وتستخدم فيه القوة لإنزال الأذى بالأشخاص والممتلكات, وهو كل تصرف يؤدي إلى الحاق الأذى بالآخرين وقد يكون الأذى جسدياً أو نفسياً (عبيد, 1436 :11)
ويتضح موقف اتفاقيّة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من العنف والاعتداء والاستغلال في المادتين (15), و(16):
حيث نصت الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة (15) على “أن لا يُعَّرض أي شخص للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة, كما تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والقضائية وغيرها من التدابير الفعالة لمنع إخضاع الأشخاص ذوي الإعاقة، على قدم المساواة مع الآخرين، للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” (القحطاني, 2007: 19).
كما نصت الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة (16) على “أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من التدابير المناسبة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، داخل منازلهم وخارجها على السواء، من جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء، بما في ذلك جوانبها القائمة على نوع الجنس”, وعلى “منع جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء بكفالة أمور منها توفير أشكال مناسبة من المساعدة والدعم للأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم ومقدمي الرعاية لهم تراعي نوع جنس الأشخاص ذوي الإعاقة وسنهم، بما في ذلك عن طريق توفير المعلومات والتثقيف بشأن كيفية تجنب حالات الاستغلال والعنف والاعتداء والتعرف عليها والإبلاغ عنها”. “وتكفل الدول الأطراف أن يراعى في توفير خدمات الحماية سن الأشخاص ذوي الإعاقة ونوع جنسهم وإعاقتهم”, كما أكدت على” قيام سلطات مستقلة برصد جميع المرافق والبرامج المعدّة لخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة رصدا فعالا للحيلولة دون حدوث جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء” , وعلى أهمية “تشجيع استعادة الأشخاص ذوي الإعاقة عافيتهم البدنية والإدراكية والنفسية، وإعادة تأهيلهم، وإعادة إدماجهم في المجتمع عندما يتعرضون لأي شكل من أشكال الاستغلال أو العنف أو الاعتداء، بما في ذلك عن طريق توفير خدمات الحماية لهم. وتتحقق استعادة العافية وإعادة الإدماج في بيئة تعزز صحة الفرد ورفاهيته واحترامه لنفسه وكرامته واستقلاله الذاتي وتراعي الاحتياجات الخاصة بكل من نوع الجنس والسن”, إضافة إلى أن “تضع الدول الأطراف تشريعات وسياسات فعالة، من ضمنها تشريعات وسياسات تركز على “النساء والأطفال، لكفالة التعرف على حالات الاستغلال والعنف والاعتداء التي يتعرض لها الأشخاص ذوو الإعاقة والتحقيق فيها، وعند الاقتضاء، المقاضاة عليها”(القحطاني, 2007: 19).
ويتضمن موقف نظام مكافحة جريمة التحرش الصادر بقرار مجلس الوزراء للعام 1439ه ضد العنف في المملكة العربية السعودية حيث نصت المادة السادسة على “عقوبة جريمة التحرش السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات, وبغرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ريال, إن كان المجني عليه من ذوي الاحتياجات الخاصة” (الأمانة العامة لمجلس الوزراء, 1439).
وسائل الحد من العنف:
حددت اليونيسيف ثمانية عناصر من أجل بيئة توفر حماية الطفل من العنف والاستغلال والإيذاء:
1. المواقف، والتقاليد، والعادات، والسلوك والممارسات
2. الالتزام الحكومي بالإيفاء بحقوق الأطفال
3. الحوار المفتوح ومناقشة قضايا حماية الأطفال
4. التشريعات بشأن الحماية والعمل على تنفيذها
5. قدرة المحيطين بالأطفال على توفير الحماية لهم
6. مهارات الأطفال الحياتية، ومعرفتهم ومشاركتهم
7. الرصد والإبلاغ
8. خدمات التأهيل وإعادة الادماج.
ومن أهم واجبات حماية المجتمع من الانحرافات الأخلاقية والسلوكيات الخاطئة، ومن الأدوار الاجتماعية التي تحتاج منا إلى وقفة جادة للتصدي لظاهرة العنف في مجتمعاتنا؟ وغرس ثقافة الرفق والحوار البناء.